أ* عبد الله كامل
بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ القضاء في البلاد الإسلامية قبل ظهور القوانين
اول من تولى القضاء في الاسلام هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأمر من رب العباد في قوله تعالى : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله )المائدة 48 , وتولى هذه المهمة خلفاؤه من بعده , كما أسندوها إلى من يحسن القيام بها من اهل العلم والفقه.
ومهمة القضاء الفصل بين الناس فيما يقع بينهم من خصومات , ولولا القضاء لانتشر الفساد , وساد الظلم و الطغيان , وعسر على الناس العيش في هذه الحياة .
وكانت الشريعة الاسلامية هي مرجع القضاة في الديار الاسلامية في مسائل الاحوال الشخصية و في غيرها .
والمرجع الرئيس لهذه الشريعة المباركة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وكان من السهل على علماء المسلمين و قضاتهم الرجوع الى نصوص الكتاب والسنة , فأكثرهم يحفظ القرآن , وله اطلاع واسع على كتب السنة.
وقد جمعت النصوص التي تقرر الاحكام التشريعية " القانونية" في مدونات خاصة , فالنصوص القرآنية تدعى بآيات الاحكام , والأحاديث النبوية في هذا الموضوع تدعى بأحاديث الاحكام , وقد انتدب بعض اهل العلم انفسهم لشرح هذه المدونات , منها احكام لقرآن للجصاص , ونيل الاوطار شرح احاديث منتفى الأخبار للشوكاني , وسبل السلام للصنعاني .
ودون الفقهاء المدونات الفقهية التي تعرض للأحكام الشرعية في مختلف الموضوعات , و أختلف الفقهاء فيما بينهم في كثير من الاحكام , و تشكلت المذاهب الفقهية , و وقع الخلاف بينها , بل وق الاختلاف في المذهب الواحد.
وقد شغل الخلاف في الاحكام التي تصدر عن القضاة عقول المسلمين على مر التاريخ , و ارتأى بعض المسلمين ان السبيل لتوحيد المسلمين هو جمعهم على كتاب واحد او على مذهب واحد .
وقد حكمت كثير من الدول بمذهب واحد من مذاهب ائمة الفقه بهدف توحيد الاحكام ,ونال المذهب الحنفي القسط الاوفر من ذلك , فقد كان المذهب المعتمد في الدولة العباسية , والدولة العثمانية , وكان القضاة يرجعون – في الاغلب – الى الراجح من مذهب ابي حنيفة , وكان الحكم في الاندلس على مذهب الامام مالك , ولا يزال القضاء في المملكة العربية السعودية على مذهب الامام احمد الى اليوم .
و التقيد بمذهب فقهي واحد , وعدم جواز العدول عنه الى غيره , احدى المسائل التي دار حولها خلاف كبير بين العلماء , فالمقلدون يُلزَمون باتباع مذهب واحد , وقد ساد هذا التوجه زمنا طويلا , وحصرت كل فئة من المسلمين نفسها في اطار مذهب فقهي واحد , وقد احدث التوجه الذي اخذ به قانون حقوق العائلة وهو الاخذ من المذاهب الاخرى خلافا و جدلا لا يزال قائما بين العلماء .
والصواب من القول ان المذاهب الفقهية لأهل السنة والجماعة بمثابة مذهب واحد يؤخذ منها الحكم الاقوى دليلا , ولا يجوز الاخذ من المذاهب المختلفة بمجرد التشهي و الاستحسان العقلي الذي لا يقوم على منهج الاستدلال الذي قرره العلماء
(الواضح في شرح قانون الاحوال الشخصية الاردني ,د. عمر الاشقر )