يتصل "السر" اتصالاً وثيقاً بالحياة الخاصة للإنسان؛ إذ يمثل جانباً من جوانب الحرية الشخصية له. ويتأسس الالتزام بالسرية المصرفية في أحد جوانبه على حق الأفراد في الخصوصية المالية. وتعد السرية المصرفية هدفاً يحقق نتائج اقتصادية في اتجاهات مختلفة، أهمها تشجيع الادخار والاستثمار وجلب رؤوس الأموال واسترداد رؤوس الأموال التي هاجرت في وقت كان يخشى عليها أصحابها أن لا تكون مصانة من أمور كثيرة كعدم السرية المصرفية. وحيث أن المشرع العراقي قنن هذه الأحكام (كغيره من المشرعين)، كما سنرى، فيكون قد حقق المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للمتعاملين مع أمن المستثمرين من كشف حساباتهم وأسرار تجارتهم، على أنه إذا كانت العمليات المصرفية كعلاقات فيما بين المصرف وعملائه تمثل الخدمة التي تقدمها المصارف للعملاء مقابل التزاماتهما بحيث ينفذ كل طرف ما اتجهت إرادته إلى تحقيقه، وإذا كانت المصارف قد تعهدت لعملائها بأن تحافظ على سرية حساباتهم معتمدة على النص القانوني، حتى وإن لم تتضمن عقودها مع هؤلاء العملاء شرطاً للمحافظة على السرية فإنها بذلك مطالبة باحترام هذه التعهدات، وستكون هدفاً لمقاضاتها إن لم تنفذ التعهدات، وحيث أن العلاقات العقدية بين المصارف قائمة على احترام السر المصرفي بما يجسد احترام حرية الفرد وحياته الخاصة، بحيث لا يجوز أن يفسر هذا الاحترام لهذا المبدأ على وجه يهدد المصلحة العامة حيث لا يجوز أن يستخدم مبدأ المحافظة على سرية حسابات العملاء شعاراً لإخفاء عمليات مشبوهة على نحو تنعكس السرية المصرفية لتصبح أداة تلحق الضرر بالمصلحة العامة والمجتمع، إذ يصح خرق هذه السرية وتجميد حسابات عملاء المصارف إذا كانت هذه الحسابات مشبوهة إذ لابد من إعمال حكم القانون. إذاً فالحماية القانونية للسرية المصرفية في ظلها تبث الثقة والطمأنينة لذوي رؤوس الأموال على سرية أعمالهم المصرفية وكافة المعلومات ذات الصلة بثرواتهم، وقد كرسنا الجهد في هذا السبيل على ثلاثة مباحث، إذ نتناول مفهوم السر المصرفي في مبحث أول، والمصادر القانونية للسر المصرفي في مبحثٍ ثانٍ، والآثار القانونية المترتبة على إفشاء السر المصرفي في مبحثٍ ثالث.