الصفحة العامةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 

تم التحقق من الحساب، مطوّر الصفحة


BZULAW

BZULAW



 Joined Joined : 19/12/2014


الحياد الايجابي للقاضي في النزاع المدني - تونس Empty
مُساهمة   موضوع: الحياد الايجابي للقاضي في النزاع المدني - تونس   

 
 الحياد الايجابي للقاضي في النزاع المدني - تونس

المقدمة

إنّ حسم الامر وتحديد حقيقة دور القاضي في النزاع المدني أمر على غاية من الأهمية. لأن طبيعة الدور الذي يؤديه سيساهم بصفة جوهرية في تكييف عملية البحث والكشف عن الحقيقة التي يكرسها الحكم القضائي. 

فهل هي حقيقة موضوعية أقرّها القاضي بعد تأكده شخصيا من وجودها؟ أم أنها مجرد حقيقة ذاتية اعتمدها القاضي لأن صاحبها تمكن من إثباتها فقط لا غير؟ و الإجابة عن هذا التساؤل ليس بالأمر الهين خاصة وأن مادة الإجراءات المدنية تتجاذبها العديد من المبادئ المتداخلة والمتشابكة يؤدي الخوض في أي منها إلى التطرق حتما للبقية لهذا فإن الإجابة تكون عبر الإجابة عن الإشكالية التالية: ما هو الدور الحقيقي لكل من القاضي والأطراف في النزاع المدني؟ وتحديدا معرفة إلى أي مدى أقرت القانون التونسي دورا ايجابيا للقاضي في النزاع المدني؟ وللإجابة عن ذلك سنتعرض أولا إلى تكريس الدور الايجابي للقاضي المدني.)الجزء الأول( لنمرّ بعد ذلك إلى بيان مظاهر الدور الايجابي للقاضي في النزاع المدني. (الجزء الثاني).

مقدمة الحياد الايجابي للقاضي في النزاع المدني كاملة

أوكلت مهمة إشاعة العدل للقضاء بوصفه مرفقا من مرافق الدولة، فأصبحت المحاكم تختص دون سواها بالنظر في جميع النزاعات التي تنشأ داخل المجتمع مهما كان موضوعها أو أطرافها ، وأصبح القضاء يمثل أحد ركائز الدولة الحديثة، باعتباره المكلف بتطبيق القانون ودعم المؤسسات وحماية المجتمع. و يشكل القضاء اليوم مرفقا عاما من مرافق الدولة الحديثة، يجسم مظهرا من مظاهر سيادتها، و يندرج في إطار مهامها الأساسية. وبالإضافة إلى وظيفته الأساسية المتمثلة في تطبيق القانون يقوم القضاء بدور اجتماعي حقيقي باعتبار أنه ضمانة رئيسية لبناء مجتمع سليم تحكمه مبادئ الوفاق الذي لا يتحقق إلا بإشاعة العدل بين الناس. 

فالعدل ليس كمثله شي ء في توطيد السكينة والطمأنينة والشعور بالأمن، فهو المفتاح الوحيد الذي يدور في إقفال السرائر مهما كان الشطط في المواقف واللجاجة في الخصام . 

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول قاضي في الإسلام أعطاه القرآن الكريم هذه الصفة إذ قال تعالى في كتابه العزيز " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ". و يقول العلامة ابن خلدون : "أما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للنزاع" . وقد كان للقضاء دورا طلائعيا في بناء الأمم والحضارات على مر التاريخ فهو دعامة العدل، "ويعد من أهم الأسس التي ارتكز عليها الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم". ففصل الخصومات الناشئة بين الأطراف من قبل القاضي وتحقيق العدالة داخل المجتمع يمثلان "الوظيفة القضائية للدولة " في الإسلام منذ البداية، غير أن هذا المفهوم للوظيفة القضائية لم يقع تكريسه في العالم الغربي إلا حديثا من ذلك أنه ظهر في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر بعد أن تم إلغاء محاكم الأسياد. فالغاية الأساسية من اللجوء إلى المحاكم لا تتمثل في مجرد استصدار حكم لإنهاء الخصومة بأية طريقة كانت، بل إن مصلحة المتقاضي تقتضي أن يصدر لفائدته حكما عادلا يضمن له الحصول على حقوقه، كما أن المصلحة العامة تقتضي أن تسوى جميع النزاعات طبق القانون مع مراعاة قواعد العدل والإنصاف قدر الإمكان حتى يقع القضاء على جذور الخلافات وبالتالي يسود الأمن والاطمئنان ويتحقق السلم الاجتماعي ويقع فض النزاعات جزائية كانت أم مدنية. فالقضاء سلطة من السلطات الثلاث للدولة، هدفه فض النزاعات وحسمها . ومصطلح النزاع المدني يوحي بوجود ادعاء يعتبر منطلق الخصومة ويعبر عنه اصطلاحا بالدعوى ورغم كثرة استخدام المشرعين لمصطلح الدعوى إلا أنّ البعض منهم لم يتول تعريفه وذلك خلافا للبعض الأخر المتمثل في عديد التشريعات المقارنة. فالدعوى لغة تعني الزعم أي القول الذي يحتمل الصدق أو الكذب كما أنها تعني الطلب والتمني. 

فالمدلول اللغوي لدعوى يرتكز على عنصري الزعم والطلب وهو مدلول لا يبتعد كثير عن المفهوم الاصطلاحي المعتمد في القانون. ولقد عرفت مجلة الأحكام العدلية الدعوة بالمادة 1613 منها بأنها "طلب إنسان حق على غيره لدى الحاكم". 

أما فقهاء القانون فقد انقسموا في تعريف الدعوى بين عدّة نظريات هي النظرية الذاتية والنظرية الموضوعية والنظرية التوفيقية. فالدعوى حسب النظرية الذاتية ليست سوى الحق في حالة حركية فهذه النظرية تخلط بين الحق والدعوى وهو ما أدى إلى رواج فكرة لا دعوى دون حق . أمّا النظرية الموضوعية فهي تنفي وجود أي علاقة بين الحق والدعوى وتعتبر أن الدعوى وسيلة قانونية لضمان احترام القانون . 

بينما ذهبت النظرية التوفيقية نحو إعطاء مفهوم حديث للدعوى وتعريفها بأنّها القدرة الممنوحة للخواص للتوجه إلى القضاء للحصول على احترام حقوقهم المشروعة . وهذا هو المفهوم الذي تبناه المشرع الفرنسي وكرّسه في الفصل 30 م م م الذي جاء فيه "أنّ الدعوى هي حق صاحب الادعاء في أن يقع سماعه في الأصل من طرف القاضي ليقرّر ما إذا كان ذلك الادعاء وجيها أم لا وبالنسبة للخصم فإنّ الدعوى هي الحق في مناقشة صحة الادعاء" . ولقد تعرّضت هذه النظرية للانتقاد باعتبار أن القول بأنّ الدعوى هي الإمكانية القانونية للالتجاء للقضاء لا ينسحب على مدلول الدعوى بل على الحق في رفعها. 

وعلى هذا الأساس فإن للدعوى مفهوما ماديا إجرائيا ولا مجرد تصور ذهني فهي تعني الادعاء لدى القضاء. وأكدت محكمة التعقيب هذا المفهوم الصحيح للدعوى في قرار صادر عن الدوائر المجتمعة بتاريخ 24 ديسمبر 1982 الذي جاء فيه: "المقصود بالدعوى في العرف القانوني هو الالتجاء للقضاء لتقرير حق أو حمايته ". وبهذا المفهوم فإن الدعوى لا تختلف عن الخصومة فالثانية هي امتداد إجرائي للأولى أي أنّ الدعوى بمجرد رفعها تتخذ شكل الخصومة لأنها مرحلة المنازعة والمجادلة بين الطالب والمطلوب. وبهذا الاعتبار فالخصومة ليست سوى مرحلة من مراحل الدعوى أو هي الدعوى في مرحلة تحقيقها وتهيئتها للحكم . فالخصومة حسب ابن منظور هي الجدل أي مقابلة الحجة بالحجة وهذا المفهوم يبرز خاصية أساسية من خصائص النزاع القضائي تتمثل في كونه "مبارزة" بين المتقاضين بحضور القاضي. 

فالنزاع المدني عبارة عن "مبارزة قضائية" يقتضي بطبيعته دعوة "المتبارزين" ليجابه كل واحد الآخر بما لديه من حجج وذلك في حدود إطار الادعاءات وطلبات كل واحد منهم وفق قيود مضبوطة يعبر عنها بالقواعد الإجرائية تهدف إلى تفادي هضم الحقوق. ولإنصاف المتقاضين أقرّ المشرع جملة من الأحكام القانونية الواجب إتباعها عندما تعرض النزاعات على المحاكم. فعند الحديث عن "مبارزة قضائية" بحضور القاضي فإن المسألة التي تطرحها هذه الوضعية هي معرفة دور كل من القاضي والأطراف أثناء مرحلة تحقيق الدعوى خاصة وأنّ التشريع التونسي فيما يتعلق بهذه المسألة قد مرّ بأطوار هامة. ففي مرحلة أولى تجسمت في مجلة المرافعات المدنية القديمة الصادرة في 24 ديسمبر 1910 اعتمد المشرع النظام الاستقرائي إذ كانت أحكام تلك المجلة تطغى عليها النزعة الاستقرائية حيث كان القاضي المكلف يقوم بدور إيجابي للغاية في تحقيق الدعوى. أمّا المرحلة الثانية فقد تمثّلت في صدور مجلة المرافعات المدنية والتجارية الحالية التي صدرت بمقتضى القانون عدد 130 لسنة 1959 الصادر في 5 أكتوبر 1959 والذي ألغى في ذات الوقت قانون المرافعات القديم وجسمت المجلة الجديدة تحولا جذريا في بعض المفاهيم الأساسية المتعلقة بالنزاع المدني إذ شكلت تخليا عن نظام الاستقرائي وعودة إلى النظام الإدعائي الذي يلعب فيه القاضي دورا سلبيا ويترك تسيير الخصومة للأطراف، فالنظام الإدعائي الذي يمثل تكريسا واضحا لمبدأ ملكية الدعوى للمتقاضين. 

والمقصود بهذا المبدأ أن المتقاضين هم اللذين يملكون وحدهم حقّ إثارة الخصومة وتسييرها وإنهائها باعتبارها ملكا لهم . إلا أن المشرع أدخل على هذه المجلة عدة تنقيحات أبرزها ما تم بموجب قوانين 3 أفريل 1980 وغرة سبتمبر 1986 والتي جاءت أساسا للتخفيف من حدة النظام الإدعائي حتى تعطي للقاضي دورا حيويا في النزاع يحد من سلبيته في الخصومة وبالتالي يحد كذلك من سيطرة الخصوم على الدعوى المدنية. وهو ما أثار عدّة تساؤلات حول المبادئ العامة التي تحكم قانون المرافعات المدنية والتجارية التونسية، وما هو الدور الذي يلعبه القاضي في النزاع الذي يدور بين المتخاصمين؟ 

وهل سيلتزم الحياد المطلق أم سيلعب دوارا إيجابيا في توجيه النزاع؟ 

وهل سيترك العنان للطرفين يسيرون الخصومة كما يرغبون؟ 

أم أن سير الخصومة يخضع لضوابط وقواعد معينة تحدد سلفا دور كل من القاضي والأطراف في إثارة وتسيير وإنهاء الخصومة؟ يرتكز النزاع المدني أساسا على حقوق الخواص وبالتالي وجب على هؤلاء إثبات ادعاءاتهم بالطرق القانونية كما يجب عليهم أن يوفروا للقاضي مادة النزاع وخاصة فيما يتعلق بجوانبه المادية وهو ما يسمى مبدأ ملكية الدعوى للخصوم أو للمتقاضين. فمبدأ ملكية الدعوى للمتقاضين يفرض على القاضي أن يبت في النزاع في حدود الإطار الذي حدده الأطراف أي بالاعتماد على الوقائع التي يستندون إليها في طلباتهم ودفوعاتهم وهو ما يقع تفسيره عادة من خلال مبدأ حياد القاضي. فالقاضي يفصل بي المتقاضين على ضوء ما يدلون به من حجج وما يتمسكون به من دفوعات دون حاجة إلى البحث عن أدلة أخرى أو السعي لاتمام ما كان ناقصا منها مقتصرا على الاكتفاء بما احتوته أوراق الملف من عناصر تجسيما لمبدأ حياد القاضي في النزاع المدني والذي يعتبر من المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها نظام الإثبات في الدعوى المدنية . والمقصود بمبدأ الحياد هو أن القاضي لا يمكنه أن يؤسس اقتناعه إلا على عناصر الإثبات التي أدلى بها الأطراف فالقاضي يكون بمثابة الآلة التي تزود بمواد القضية لنستخرج منها فيما بعد حكما . ولقد تكرس هذا المفهوم (السلبي) لمبدأ حياد القاضي مع مجلة المرافعات المدنية والتجارية لسنة 1959 التي كرست واجب المتقاضين في إعداد ملفاتهم وتهيئة قضاياهم انطلاقا من أن المتقاضي يحتاج إلى قاضي ينصفه من خصمه ولا يحتاج إلى قاضي يحميه من نفسه ومن غلطاته . إذ جاء في الفصل 12 م م م ت أنه "ليس على المحكمة تكوين أو إتمام أو إحضار حجج الخصوم" . واستخلص بعض الفقهاء من ذلك أنه لا يمكن للمحكمة المدنية من تلقاء نفسها عن أدلة جديدة لأن ذلك يؤدي إلى تغيير موضوع الدعوى أو سببها بتعلة أن طلبات كل طرف مرتبطة بعناصر الإثبات التي يعتمدها، وتلك العناصر هي التي تعطي للطلبات طبيعتها ومداها فإدخال عناصر جديدة في القضية يغير نطاقها وموضوعها وهذا يتنافى مع دور القاضي في النزاع المدني. وهو ما أقرته محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 16 أكتوبر 1984 والذي جاء فيه "على الأطراف المتنازعة إثبات ادعاءاتهم وليس للمحكمة أن تقوم بأي سعي لتكوين أو إتمام أو إحضار حجج الخصوم". لكن هذا التوجه تعرض لانتقاد شديد لأنه يخلط بين الوقائع التي يركز عليها المتقاضون طلباتهم وبين وسائل الإثبات، فاتخاذ مبادرة في مادة الإثبات من قبل المحكمة لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير مادة النزاع المتكون أساسا من مجموع الوقائع التي يستند إليها المدعي باعتباره موضوع الطلب فالعبرة إذن بعدم تغيير الوقائع المعروضة على القاضي وتبقى له حرية اتخاذ الوسائل التي يراها لازمة للكشف عن الحقيقة . 

وهو ما أقرته محكمة التعقيب حين أكدت أنه "لا يعد خرقا لأحكام الفصل 12 م م م ت إذا كان الأمر يتعلق بتحقيق حجية الدليل المطروح على المحكمة". 

وفي قرار آخر أكدت محكمة التعقيب على أنه "لا يعد من قبيل تكوين حجج المتقاضين في شيء الاستجابة لطلب إجراء بحث عيني بل إنه من أوكد واجبات المحكمة وإن هذا الاتجاه لا يتنافى مع أحكام الفصل 12 م م م ت. كما اعتبرت محكمة التعقيب أنه "للمحكمة في نطاق حقها في كشف الحقيقة أن تأذن من تلقاء نفسها بإجراء اختبار ولا يعد ذلك سعيا منها لتكوين حجة الخصم وعملها لا يعد خرقا للفصل 12 م م م ت" . 

وهو ما كرّسه المشرع الفرنسي في المادة 8 م م م الذي يجيز للقاضي "دعوة الأطراف لمده ببعض التوضيحات المتعلقة بالوقائع الضرورية لحل النزاع". إنّ حسم الامر وتحديد حقيقة دور القاضي في النزاع المدني أمر على غاية من الأهمية. لأن طبيعة الدور الذي يؤديه سيساهم بصفة جوهرية في تكييف عملية البحث والكشف عن الحقيقة التي يكرسها الحكم القضائي. 
الأحد ديسمبر 11, 2016 11:17 am
 
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شروط صحة الرضا ( القانون المدني )
» الحيازة في القانون المدني المصري
» مجلة الأحكام العدلية (القانون المدني الفلسطيني)
» الرقابة القضائية على أعمال مؤسسات المجتمع المدني



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: طالب في كلية الحقوق | جامعة بيرزيت :: ملحق الموضوعات-
انتقل الى: