قد يعتقد البعض أن الطب الشرعي هو من العلوم الحديثة، بل والخاصة بهذا القرن، وذلك لتطوره بهذا العصر، إلا أن الحقيقة هي أن هذا المجال قديم، وقد لا أكون مخطئة إذا قلت إنه بدأ قبل الميلاد، حيث كان لقدماء المصريين والبابليين معرفة بالتشريح الكامل لجسم الإنسان، كما عرف الإغريق القدماء أنواع السموم، وفي قصة سيدنا يوسف كان لفحص الملابس أهمية كبيرة لمعرفة الجاني، حيث قال تعالى في كتابه الحكيم (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قُد من دُبر فكذبت وهو من الصادقين وإن كان قميصه قُّد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين) صدق الله العظيم (سورة يوسف/ الآية 27-26).
وقد فحص الطبيب الروماني أنستاسيوس جثة يوليوس قيصر بعد مصرعه فوجد بها 32 جرحا من بينهم جرح واحد غائر في الصدر أدى لمقتله، إذا فهذا العلم ليس وليد اللحظة أو هذا العصر، بل هو قدم البشرية،
وقبل البدء بسرد طبيعة عمل الطب الشرعي ينبغي تعريف ماهيته،، فما هو الطب الشرعي؟
هو فرع من فروع الطب البشري، يدرس في كليات الطب المختلفة، يسخر كل العلوم الطبية لخدمة العدالة، ويسمى في بعض الدول بالطب الشرعي لعلاقته بالقضاء والتشريع وفي دول أُخرى بالطب العدلي لعلاقته بوزارة العدل أو الطب الجنائي.
ويتصدى الطب الشرعي لمعالجة قضايا جنائية مختلفة ذات حساسية عالية في المجتمع، من جرائم وانتحار وحوادث مختلفة، ويتعرض لحالات الإصابات والسموم التي تتراوح نتائجها بين الموت والعجز الوظيفي المزمن والإعاقات القابلة للشفاء، كما تشمل موضوعاته طيفا واسعا من حالات حوادث العمل والأمراض المهنية وحوادث السير والحوادث الطارئة بشكل عام، ويتعرض للممارسات الجنسية الخاطئة وتقدير العمر وتحديد الهوية وفحص إدعاء التعذيب لدى الموقوفين وتحديد المسؤولية الطبية في حالات الإهمال وسوء الممارسة الطبية، إضافة إلى ذلك يختص الطب الشرعي دون سواه، بفحص الوفيات الطبيعية والحوادث والانتحار والقتل لمعرفة سبب ووقت وكيفية الوفاة، والأداة المحدثة، والتعرف إلى الجثث المجهولة خاصة في الحوادث والكوارث.
والأطباء الشرعيون هم الأشخاص الوحيدون المصرح لهم بتوقيع أي فحص طبي شرعي، و إصدار التقارير الطبية الشرعية الرسمية، ومصرح لهم فحص مسرح الوفاة وجمع الأدلة و إرسالها للمختبرات الجنائية، والإدلاء بالشهادة الفنية أمام القضاة، إلا أن الأطباء الشرعيين لا يمكنهم مباشرة القضايا الجنائية ما لم يطلب ذلك منهم بصورة رسمية، من خلال النيابة العامة أو مراكز الشرطة.
يستند الطبيب الشرعي في رأيه إلى مجموعة من الأدلة والبراهين للوصول لسبب الوفاة، من أحداث وملابسات وبيانات يستقيها من مسرح الجريمة (المكان الذي وجدت فيه الجثة)، إضافة إلى المظاهر المشاهدة بالفحص الظاهري والتشريحي لجثمان المتوفى، والفحوص المخبرية كفحص السموم الجنائي والفحص البيولوجي للأنسجة والبصمة الوراثية (DNA).
رأي الطبيب الشرعي وقراره قد يكون حاسما في بدء أو إلغاء التحقيق بمسألة جنائية، وهو قرار شاق ومرهق وقد تكون له نتائج خطيرة، ومكلفة عندما يكون خاطئا إلا أن الطبيب الشرعي لا يعمل وحده، بل هو جزء لا يتجزأ من فريق العمل الجنائي المكون من رجال البحث الجنائي، والأطباء الشرعيين، والخبراء الجنائيين بمختلف تخصصاتهم وصولاً إلى وكلاء النيابة، ومن ثم القضاء والمحاكم، وهي حلقة يتكاتف بها الجميع لهدف واحد وهو الإسهام في تحقيق العدالة.


عن مجلة دبي القانونية العدد الأول مايو 2007
بقلم: د. فاطمة الخميري